Translate

الأحد، 20 يوليو 2014

من اجل نمو اقتصادى مذهل..الأرجنتين هى الحل..سر السنوات الـ8 التى حولت بلاد «التانجو» من بلد فقير إلى نجم اقتصادى ساطع

فى هذه الأيام التى يحزن الكثيرون من عشاق كرة القدم لخسارة منتخب الأرجنتين بطولة كأس العالم، بعد اجتهادهم للوصول إلى نهائى المونديال بعد كل ما قدموه من إبداع، تنظر عين الاقتصاديين المنصفين إلى جمهورية الأرجنتين بعين الإعجاب لفوزهم فى تحد كبير لا ينتبه إليه الكثير من متابعى الرياضة، ولا أحد يعلم مدى ارتباط هذا التحدى بوصولهم إلى المباراة النهائية، فبالتأكيد لا تستطيع الموهبة وحدها صناعة المجد، فما حققه الأرجنتينيون من نهضة اقتصادية فى ثمانى سنوات صاحبته إرادة سياسية لا تفتر وفكر اقتصادى ومالى مرن وذكاء اجتماعى مكن القائمين على الأمور فى العاصمة بيونس ايرس من تفادى ثغرات هدر الموارد بوصفه المرض المزمن الذى اعتلت به أغلب محاولات النهوض الاقتصادى فى الدول النامية.




التهاب سياسى وألم اقتصادى
ونحن فى مصر الآن نتلمس ما نعتبره بوادر لمحاولة نهوض اقتصادى جاد فى ظروف خانقة وقاسية تتشابه كثيراً مع ما مرت به الأرجنتين فى فترة الانكماش الاقتصادى الرهيب والركود الراسخ التى سبقت العام 2001، واستمرت 6 سنوات انتهت بالتهاب سياسى ودستورى لم يصمد أمامه 4 رؤساء متتاليين، وتزامن معها غضب شعبى عارم دفع الناس للخروج إلى الشوارع بالأوانى الفارغة تدليلا على تردى الأحوال المعيشية، وانتهى الأمر بالنظام الجديد على يد الرئيس نيستور كيرشنير والذى تولى الحكم فى عام 2002 وبدأ فترته الرئاسية باستيعاب المشكلة جيدا، وإن كان على دراية بها، إلا أن الأرقام صدمته.

صدمة الأرقام
ورغم التشابه الكبير فى الظروف بين الأرجنتين فى ذلك الحين ومصر د فى وضعها الحالى، فإن صدمة الأرقام لم تكن فى ضخامتها فقط ولكن فى تأثيراتها الاجتماعية الطاحنة، حيث بلغت نسبة البطالة آنذاك 25% من إجمالى شعب الأرجنتين وارتفعت أسعار السلع بمعدل 40%، ونسبة فقر اقتربت من 45% من إجمالى السكان البالغ عددهم 36 مليون نسمة، وحينها لم يكن كافياً أمام الرئيس كيرشنير أن يعى واقع الأزمة المريرة وحسب، بل كان أمام تحدٍّ بأن يتخذ إجراءات أكثر مرارة وقسوة قد لا تبدو حانية وشعبوية بالقدر الكافى بقدر ما كانت ضرورية لإنقاذ بلد أعلن إفلاسه بالفعل، وهربت منه أرصدة بحوالى 15 مليار دولار إلى الخارج.

المأزق المصرى
سيناريو الإفلاس المخيف هذا تقف مصر على حافته بالفعل وقد تزل قدمها داخله إذا ما ظل الحال على نفس الوتيرة التى يسير بها الاقتصاد على مدار السنوات الثلاث ونصف الماضية، فبلغة الأرقام الصادمة أيضا تستطيع استشراف ما يعنيه أن يكون بلد يعيش فيه 90 مليون نسمة مفلسا، حيث بلغ الاقتصاد المصرى ذروة ترديه بتراجع العملة المحلية «الجنيه» أمام الدولار.. وارتفع مستوى التضخم إلى 9.9%، مع عجز حاد فى الموازنة يقارب 243 مليار جنيه أى 12% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر، وتزامن مع هذا معدل بطالة مرتفع يصل إلى 13.6% بما يعادل أكثر من 11 مليون عاطل، كل هذه الأرقام المفزعة يصاحبها معدل نمو متدن يتراوح بين 1 و2% سنويا وقد يقل عن هذا المعدل فى كثير من الأحيان.

معركة الديون
النموذج الأرجنتينى لم يقل سوءًا عن الوضع المصرى، لكن القائمين عليها حينئذ فطنوا لحقيقة أنه لا خيارات أخرى أمامهم سوى التقشف وتقليل الهدر، وكان يلزمهم التفكير بشكل أكثر فاعلية فى التخلص من ضغوط الدين الذى ارتفع إلى 132 مليار دولار وتوقفت البلاد تقريباً عن دفع أقساط الديون وبدأت الفوائد تتراكم بما يباعد بين الاقتصاد المحلى وأى أمل فى معدل نمو مقبول فى المدى القريب، ولكى تتخلص الأرجنتين من ضغط هذا الدين فعلت ما لم يتوقعه أحد حين أعلنت أنها ستتوقف عن سداد الديون، وكان خياراً سياسياً متطرفاً حينها، لكنه أثبت أنه ضرورة اقتصادية ملحة للانطلاق من جديد، بينما مصر أفضل حالاً فى هذه النقطة حيث تلتزم بسداد 700 مليون دولار قسطا من الديون لنادى باريس كل ستة أشهر.
الأرجنتين أظهرت ما نعتبره «عينا حمراء» للدائنين، وقد استغلت الظروف السياسية المتردية والشارع الملتهب لكى تضمن ظهيراً شعبياً لقرارها بالتوقف عن سداد الدين لحين استعادة الاقتصاد عافيته، وقد لجأت بعض الصناديق الاستثمارية والبنوك الدائنة للقضاء لمعاقبة الحكومة الأرجنتينية التى وصفتها بدورها بأنه «بنوك انتهازية» و«صناديق الجوارح» فى إشارة لرفض بعض هذه الجهات طلب الأرجنتين تأجيل الدين لحين أو إعادة هيكلته لتجاوز الظروف القاسية، قبل أن تتخذ قرارها بالتوقف تماما عن السداد.

قصة متشابهة مع صندوق النقد
الظروف السياسية أيضاً كانت حافزاً غير معلن لكى تستطيع الأرجنتين أن تمنح نفسها مساحة للتحرك، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تترك أحد حلفائها القلائل فى القارة الجنوبية، وبالتالى أرست بعض الضغوط على الدائنين للقبول بالحال التفاوضى، أما صندوق النقد فقد مارس تهديده الطبيعى أولاً لبيونس آيرس لكى تتراجع عن عنادها فى مسألة الدين، لكن القيادة السياسية للبلاد رفضت أى مساومات حول القرار، فما كان من المؤسسة الدولية سوى الخضوع لقرار الأرجنتين ومنحها 14 ملياراً كدفعة أولى، وهو ما لم يفعله الصندوق مع مصر رغم أن الملابسات متشابهة، فمصر بعد 25 يناير 2011 عانت انهياراً اقتصادياً لم تختبره إلا فى الحروب، وإن ظلت تدفع أقساط ديونها، لكن حاجتها لقرض صندوق النقد البالغ 2.4 مليار دولار، ازدادت بعد سلسلة من التخفيضات لتصنيف مصر الائتمانى من قبل وكالات التصنيف، وهذا بمثابة شهادة «سوء سمعة» لأى اقتصاد فى العالم بغض النظر عن الهوامش الاقتصادية، وكانت الشروط القاسية للصندوق عائقاً أمام تحمس الحكومات المتعاقبة بعد الثورة للتفاوض بشكل جدى وتقديم تنازلات فى صورة قرارات اقتصادية قاسية قد تثير غضباً شعبياً فى ظروف خارج حسابات المنطق حينئذ.

تخفيف مرارة الدواء
وبالتوازى مع تماسك قراره السياسى، اعتمد النظام الحاكم فى الأرجنتين للنهوض بالاقتصاد مرة أخرى، نظرية بسيطة ذات تأثير سريع ومباشر، وحاول أن يخفف سريعا من وطأة قراراته التقشفية القاسية، ففى حين خفضت الرواتب الحكومية بقيمة 13%، سارعت للإعلان عن تخصيص استثمارات عاجلة بقيمة 8.2 مليار دولار لتوفير فرص عمل مباشرة، وحينما وافقت على مطلب صندوق النقد برفع يدها عن حماية عملتها «البيزو» أمام الدولار ثارت مخاوف من موجة تضخمية تؤدى لغلاء متزايد، فسارعت الحكومة ببدء تنفيذ برنامج وطنى طموح كان له هدف واحد وهو تحسين معيشة 60% من إجمالى السكان، وكررت هذا أيضاً مع قرارها بتغيير هيكل الضرائب وتقليل الإنفاق على البنية التحتية، بأن نفذت خطة إصلاح شاملة لقطاعى التعليم والصحة، وكان النجاح السريع لتلك الخطة وتأثيره المباشر على الطبقات الفقيرة، مردوداً سياسيا مباغتاً بأن قل ضغط التوترات فى الشارع، كما تكللت الجهود بأن اختار الناس زوجة رئيسهم المنتهية ولايته، كريستينا فرنانديز رئيسة للبلاد لمدتين حتى الآن.

القفز إلى مربع النجاح
منذ أيام قال «هيكتور تايمرمان» وزير الخارجية الأرجنتينى ردا على مطالبة بنك استثمارى أمريكى للأرجنتين بسداد 1.3 مليار دولار، إن بلاده مستعدة للتفاوض مع الدائنين ولكن بشروط عادلة، وأضاف: «الأرجنتين لن تقبل الابتزاز، ولن تقبل أية إجراءات ضد شعبها».. تلك اللهجة الواثقة التى تعيد أمجاد العناد الأرجنتينى فى بداية القرن الماضى، لا تستند اليوم إلى فراغ أو يأس كما فى السابق، هذه المرة يتحدث الرجل ووراءه دولة قفزت إلى مرتبة ثالث أقوى اقتصاد فى أمريكا الجنوبية، وعضو قوى ومهم فى تكتل إقليمى للتجارة يجمع البرازيل والأوروجواى وباراجواى، ومعدل نمو حقيقى عند 4.3% ويتوقع وصوله إلى 6.2% العام القادم، وارتفع الناتج المحلى الإجمالى 146 مليار جنيه، وارتفعت صادراتها إلى 30 مليار دولار مقابل 13 ملياراً فقط قيمة ما تستورده، وتستورد الدول العربية منها بما يعادل 6 مليارات دولار.

فرصة سانحة للنهوض
الموارد والإمكانيات التى وضعت الأرجنتين فى مصاف الدول الصاعدة اقتصاديا، متوفرة فى مصر ربما بقدر أكبر وأكثر رسوخا، تنقصه فقط الفلسفة المناسبة التى تضع نصب أعينها الآثار الاجتماعية عند اتخاذ أى قرار اقتصادى، والآثار السلبية عند التراجع عن قرار آخر، ولا يمل الاقتصاديون المصريون من طرح الحلول، لكن بعضهم يفضل أن يكفر بهذه الحلول عند أول تطبيق حقيقى، ولنا عبرة فى قرار الحكومة الأخير بتحريك أسعار الوقود، وهيكلة منظومة الضرائب، والحد الأقصى للأجور، بينما الواقعية تقتضى أن نتخلى عن الخطاب الشعبوى الذى يدغدغ مشاعر البسطاء دون أن يملأ بطونهم، هذه الواقعية هى الخيار الوحيد لكى يقوم هذا البلد من كبوته، فالأرجنتين ليست أفضل من مصر لكن النوايا إذا ما خلصت عرف الوطن طريق النهوض.

ما نريده وما نحتاجه:

• الرئيس عبدالفتاح السيسى..

الدرس الأرجنتينى واقعى ومتزن ويتسق مع ما يحلم به المخلصون لمصر، ولا يصعب تحقيقه طالما وجدت الإرادة، وبدأنا التخطيط جيداً، وأن تبدأ مؤسسة الرئاسة فى دراسة مثل هذه التجارب وتكلف مستشاريها ليحللوا الخطوات التى قامت عليها تجربة الأرجنتين وإسقاطها على حالة مصر، وأخذ منها ما يناسبنا والتعلم من أخطائها.

• رئيس الحكومة والمجموعة الاقتصادية..

تعلّموا جميعاً من الحكومات الأرجنتينية التى سعت دون كلل لتصل إلى معدل نمو محترم، وصيغة مناسبة لتقسيط الديون، وأيقظ كل وزير ومسؤول ضميره، وطارد كل فساد فى محل عمله لكى يضمن أن يكون أداؤه متناغماً مع الخطة الطموح للنهوض بالاقتصاد.

• رؤساء التحرير..

واجبكم ان تجلبوا مثل هذه المعارف للناس وتنشروها وترسلوا محرريكم المختصيw ن لدراسة تجربة كتلك التى قامت بها الأرجنتين وجيرانها فى أمريكا اللاتينية، خصصوا جزءاً من مساحات نشركم لأفكار إيجابية تدعم محاولات النهوض، خصصوا جزءاً من وقتكم لإدارة حوار مجتمعى بناء يقودنا لنتائج أكثر نفعا للوطن.

• الاقتصاديون..

سيكون أفضل لهذا البلد أن توجهوا اهتمامكم لتحليل مثل هذه التجارب واستخلاص العبر من آليات تنفيذها والاعتبار بدلالات أرقامها، فكثير من الناس يثقون فى تحليلاتكم، الأفضل لكم ولنا أيضا أن تضعوا وصفة حقيقية وواقعية للانطلاق، ولا تتجاهلوا الآثار الاجتماعية للقرارات دون دراسة، كذلك عليكم أن تقولوا لنا ماذا نفعل لكى نكون أطرافاً فاعلين فى عملية التنمية، ساعدونا وساعدوا أنفسكم لكى نتوقف قليلاً عن الجدل بلا طائل ونبدأ تفكيراً جاداً فى مستقبل أبنائنا.

• وزارة الخارجية..

لدينا سفارة فى الأرجنتين أعتقد أن دورها الآن هو تلخيص تلك السنوات الثمانى التى قادت الأرجنتين للنهوض، وأن تجهز تقارير وافية عن الإجراءات الاقتصادية التى تمت وتأثيراتها وتفاعل الناس عنها، والأهم أن توضح لنا كيف استطاعت البلاد فى ذلك الحين أن تدير ملف الديون خارجياً، وما هى المهارات التى استخدمتها للتفاوض من أجل إعادة هيكلة الديون، بما يحقق لها متنفسا للتحرك فى مسار التنمية بحرية أكبر.

• هيئة الاستعلامات..

أتساءل إذا كان من دورها أن توفر لصانع القرار المصرى والمهتمين بالشأن الاقتصادى أو حتى للناس العادية معلومات عن تجارب الدول الصاعدة اقتصاديا وعلى رأسها الأرجنتين، وأن توفر لو استطاعت أرشيفا للصحافة المحلية فى وقت الأزمة وكيف تناولت تفاصيل تجربة النهوض وما هو شكل التفاعل المجتمعى مع إجراءات التقشف والتأثيرات المتباينة للاستثمارات التى وجهت لتحسين معيشة الفقراء بشكل مباشر.

• الأحزاب والمنظمات المهتمة..

لا يوجد عمل أهلى أكثر من أن تشجعوا الناس على التفكير فيما فكر به الأرجنتينيون حينما أرادوا أن ينهضوا ببلدهم المتهالك، فالخلاف الصحى والنقد الموضوعى من أدوات البناء، وخيرا ستفعل الأحزاب السياسية لو وجهت جزءاً من نفقاتها لتوعية كوادرها من الشباب بما قامت به تلك الدول، أو أن ينظموا فعاليات للناس لعرض التجارب عليهم وتلقى الأفكار منهم.

لمعلوماتك:

2 تريليون جنيه حجم الديون المستحقة على مصر منها 1708 مليارات جنيه حجم الديون المحلية، و45.3 مليار دولار، ما يعادل 322 مليار جنيه، الديون الخارجية المستحقة على مصر بنهاية شهر مارس الماضى.

2010 أطلقت الرئيسة الحالية كريستينا فيرنانديز مبادرة الديون الجديدة بسعر مخفض 66.3% مما يجعل البلد يقوم بتسديد 10500 مليون دولار بدلاً من 20000 مليون دولار.

240 مليار جنيه قيمة العجز المتوقع فى الموازنة العامة للدولة بنهاية السنة المالية الحالية 2014 – 2015، ويتم تمويله عن طريق طرح البنك المركزى لأذون وسندات خزانة، أدوات، وعن طريق المساعدات والمنح من الدول العربية والقروض الدولية.

108 ترتيب الاقتصاد الأرجنتينى على العالم، وتحتل الأرجنتين المرتبة 23 من أصل 29 بلدا فى القارة الأمريكية، ونتيجتها الإجمالية أقل من المتوسط الإقليمى، حيث تعتمد البلاد نظام الاقتصاد الحر بنسبة 55.1%.

























"اليوم السابع"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك بتعليق ... تعليقك يهمنا ...