قضت المحكمة الدستورية العليا بالجلسة ذاتها برئاسة المستشار ماهر البحيرى، رئيس المحكمة وعضوية المستشارين عدلى منصور، وأنور العاصى، وعبد الوهاب عبد الرازق، ومحمد الشناوى، وماهر سامى، ومحمد خيرى، نواب رئيس المحكمة وحضور المستشار الدكتور حمدان فهمى، رئيس هيئة المفوضين بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد.
وكان المدعيان قد أقاما الدعوى رقم 45931 لسنة 66 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، طلباً للحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف إجراءات السير فى انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور وبطلان جميع القرارات التالية للقرار المطعون فيه.
وإذا تراءى لتلك المحكمة أن القرار الصادر من أعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المعينين لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية محل الدعوى الموضوعية لا يعتبر من الأعمال البرلمانية، كما لا يعد تشريعا بالمعنى الموضوعى فيما تختص المحكمة الدستورية العليا ببسط رقابتها القضائية عليه، وإنما هو فى حقيقته قرار إدارى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر المنازعة فى مشروعيته، ومن ثم فإن نص المادة الأولى من القانون المطعون عليه يكون مخالفاً لحكم المادة (48) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 التى ناطت بمجلس الدولة الفصل فى المنازعات الإدارية، كما يخالف المادة (21) من الإعلان الدستورى ذاته التى تحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وبجلسة 23/10/2012 قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ما تضمنه النص المطعون عليه من أن قرارات الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى بانتخابات أعضاء الجمعية التأسيسية التى تضع مشروعا دستوريا جديدا للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية.
وأوضحت المحكمة الدستورية فى صدر حكمها فى الطعن المحال إليها أنه – وأياً كان مضمون النص التشريعى المحال – فقد تمت الإحالة فى نطاق الاختصاص القضائى لهذه المحكمة ومباشرتها لولايتها القضائية فى الرقابة على دستورية القوانين.
وحددت المحكمة الدستورية – بموجب اختصاصها – نطاق الدعوى الدستورية فيما تضمنه نص المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 من أن قرارات الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التى تعد مشروعا دستورا جديدا للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية.
وقالت المحكمة فى أسباب حكمها المتقدم أن قضاءها قد جرى على أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور وعلوّها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأياً كان تاريخ العمل بها- لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
وأشارت المحكمة إلى أن الدستور الصادر فى ديسمبر سنة 2012 – والذى تباشر هذه المحكمة رقابتها فى ضوء أحكامه – اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص فى المادة (115) منه – على أن “يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة،…” وهو لا يخولها بذلك التدخل فى أعمال غيرها من السلطات، ومن ثم فلا يكون لها- من باب أولى – التدخل فى أعمال السلطة التأسيسية التى تضع دستور البلاد، وهى التى تملك وحدها وضع الضوابط والمعايير التى تنظم كيفية أدائها للمهمة المنوطة بها.
واستطردت المحكمة – بأن التعديلات الدستورية التى أجريت على مواد دستور 1971 عهدت إلى جمعية تأسيسية منتخبة مهمة وضع مشروع دستور جديد للبلاد، على أن تنتخب هذه الجمعية من الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور. وقد وافق الشعب على هذا التعديل فى الاستفتاء الذى تم بتاريخ 19/3/2011، وبتاريخ 30مارس من العام ذاته أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذى تولى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير – إعلاناً دستورياً ضمنه القواعد الدستورية الحاكمة للبلاد خلال الفترة الانتقالية والتى تنتهى بانتخاب المجلسين التشريعيين – الشعب والشورى- وانتخاب رئيس الجمهورية، كما ضمنه النصوص الدستورية المعدلة التى حظيت بموافقة الشعب عليها فى ذلك الاستفتاء، ورددت المادة: (60) من إعلان 30 مارس سنة 2011 الأحكام التى احتواها نص المادتين (189، 189 مكرراً) من دستور 1971 ومقتضاها أصبح انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية معقوداً للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى خلال المواعيد والإجراءات التى تضمنها ذلك النص، والذى خلا من أية أحكام أخرى يتعين الالتزام بها عند وضع الدستور الجديد للبلاد، وهذا المسلك يؤكد أن المشرع الدستورى أراد أن – يُخرج جميع مراحل إعداد مشروع الدستور الجديد ابتداء من اجتماع الهيئة الانتخابية التى عهد إليها بمهمة اختيار الجمعية التأسيسية، والتى تتمثل فى الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى، ثم اختيار أعضاء هذه الجمعية ومباشرتهم لمهامهم وفق الضوابط والقيود التى يضعونها لأنفسهم، دون تدخل من أية سلطة من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى تمام هذه المهمة لوضع المشروع، إذ أن السلطة التأسيسية التى تختص بوضع الوثيقة الدستورية تعلو على جميع سلطات الدولة، ومنها السلطة التشريعية، التى تعتبر من نتاج عملها، باعتبار أنها السلطة المنشئة لغيرها من السلطات، ولا يتصور بالتالى أن تخضع هذه السلطة فى تكوينها أو مباشرة أعمالها لرقابة أى سلطة من السلطات الأخرى.
وأكدت المحكمة الدستورية فى حكمها على أن المشرع فى القانون 79 لسنة 2012 قد تدخل – كما يشير عنوان القانون – لوضع معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، إلا أنه انصرف عن هذا الهدف – والذى لا يملك التدخل بتنظيمه من الأساس على ما سلف بيانه – ونظم أمراً آخر لا صلة لا بالعنوان الذى اتخذه لهذا القانون وهو إسناد الاختصاص بنظر القرارات التى تصدر عن الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، إلى الجهة المعنية بالرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية، مجاوزاً بذلك حدود ولايته التشريعية، مخالفاً بذلك نص المادة (115) من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بكامل نصوصه، إذ أن العوار الدستورى الذى لحق به، قد أحاط بالبنيان التشريعى للقانون المذكور برمته، لارتباط نصوصه ببعضها البعض، ارتباطاً لا يقبل التجزئة، إذ لا يتصور أن تقوم لبعض هذه النصوص قائمة بغير بعضها الآخر أو إمكان إعمال حكمها فى غيبتها.
واستطردت المحكمة – بأن التعديلات الدستورية التى أجريت على مواد دستور 1971 عهدت إلى جمعية تأسيسية منتخبة مهمة وضع مشروع دستور جديد للبلاد، على أن تنتخب هذه الجمعية من الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور. وقد وافق الشعب على هذا التعديل فى الاستفتاء الذى تم بتاريخ 19/3/2011، وبتاريخ 30مارس من العام ذاته أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذى تولى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير – إعلاناً دستورياً ضمنه القواعد الدستورية الحاكمة للبلاد خلال الفترة الانتقالية والتى تنتهى بانتخاب المجلسين التشريعيين – الشعب والشورى- وانتخاب رئيس الجمهورية، كما ضمنه النصوص الدستورية المعدلة التى حظيت بموافقة الشعب عليها فى ذلك الاستفتاء، ورددت المادة: (60) من إعلان 30 مارس سنة 2011 الأحكام التى احتواها نص المادتين (189، 189 مكرراً) من دستور 1971 ومقتضاها أصبح انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية معقوداً للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى خلال المواعيد والإجراءات التى تضمنها ذلك النص، والذى خلا من أية أحكام أخرى يتعين الالتزام بها عند وضع الدستور الجديد للبلاد، وهذا المسلك يؤكد أن المشرع الدستورى أراد أن – يُخرج جميع مراحل إعداد مشروع الدستور الجديد ابتداء من اجتماع الهيئة الانتخابية التى عهد إليها بمهمة اختيار الجمعية التأسيسية، والتى تتمثل فى الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى، ثم اختيار أعضاء هذه الجمعية ومباشرتهم لمهامهم وفق الضوابط والقيود التى يضعونها لأنفسهم، دون تدخل من أية سلطة من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى تمام هذه المهمة لوضع المشروع، إذ أن السلطة التأسيسية التى تختص بوضع الوثيقة الدستورية تعلو على جميع سلطات الدولة، ومنها السلطة التشريعية، التى تعتبر من نتاج عملها، باعتبار أنها السلطة المنشئة لغيرها من السلطات، ولا يتصور بالتالى أن تخضع هذه السلطة فى تكوينها أو مباشرة أعمالها لرقابة أى سلطة من السلطات الأخرى.
وأكدت المحكمة الدستورية فى حكمها على أن المشرع فى القانون 79 لسنة 2012 قد تدخل – كما يشير عنوان القانون – لوضع معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، إلا أنه انصرف عن هذا الهدف – والذى لا يملك التدخل بتنظيمه من الأساس على ما سلف بيانه – ونظم أمراً آخر لا صلة لا بالعنوان الذى اتخذه لهذا القانون وهو إسناد الاختصاص بنظر القرارات التى تصدر عن الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، إلى الجهة المعنية بالرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية، مجاوزاً بذلك حدود ولايته التشريعية، مخالفاً بذلك نص المادة (115) من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بكامل نصوصه، إذ أن العوار الدستورى الذى لحق به، قد أحاط بالبنيان التشريعى للقانون المذكور برمته، لارتباط نصوصه ببعضها البعض، ارتباطاً لا يقبل التجزئة، إذ لا يتصور أن تقوم لبعض هذه النصوص قائمة بغير بعضها الآخر أو إمكان إعمال حكمها فى غيبتها.
وذكر حكم الدستورية أنه لا ينال من القضاء بعدم دستورية القانون 79 لسنة 2012 ما نص عليه الدستور الصادر فى ديسمبر سنة 2012 فى المادة (236) من أن “تلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادى عشر من فبراير سنة 20111 وحتى تاريخ العمل بالدستور، ويبقى نافذاً ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة . ذلك – وأياً ما كان الرأى فى مشروعية الإعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الجمهورية – فإن صريح نص المادة (236) من الدستور قد أبقى على الآثار التى ترتبت على هذه الإعلانات فى الفترة السابقة، أما الآثار التى لم تترتب بعد، فإنها تكون بمنأى عن إعمال هذا النص، وترتيباً على ذلك فإنه إذا كان الإعلان الدستورى الصادر عن رئيس الجمهورية فى 21 نوفمبر سنة 202 قد قرر انقضاء الدعاوى المتعلقة بالقوانين والقرارات التى أصدرها رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة والمنظورة أمام أية جهة قضائية، فإن هذا الانقضاء كأثر من الآثار التى رتبها ذلك الإعلان لابد أن يصدر به حكم قضائى يقرر تحقيق أثر هذا الانقضاء، وهو ما لم يتم فى الفترة السابقة على نفاذ الدستور الجديد فى 25/12/2012. كما لا ينال من هذا القضاء القول يتحقق الأثر اعتباراً من تاريخ الإعلان الدستورى المشار إليه، ذلك أن إلغاء الإعلانات الدستورية بنص المادة (236) من الدستور الحالى اعتباراً من تاريخ نفاذه بأثر مباشر لا يسوغ معه إقرار الانقضاء الذى رتبه ذلك الإعلان، بعد أن تم إلغاؤه بمقتضى أحكام هذا الدستور.
“اليوم السابع”