الإخوان أطلقوا شائعة تعيين ابنته آية فى الشركة القابضة للطائرات ردا على ثورة الغضب ضد تعيين ابن محمد مرسى فى نفس الشركة و مصطفى الفقى كشف عن عدم تدخله لإلحاق ابنه بوزارة الخارجية فعاتبه الابن عتابا رقيقا ولم يغضب الأب
والده سعيد السيسى اختار أن يدفن فى غرفة وسط مقبرته ليفصل بين رجال العائلة ونسائها
من بين الشائعات الكثيرة التى لاحقت الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كانت واحدة اقتربت من ابنته الوحيدة آية التى تخرجت فى الأكاديمية البحرية مؤخرا، أطلقها جهاز الشائعات الإخوانى، تقول إنها جرى تعيينها فى الشركة القابضة للطائرات بمرتب مجزٍ ووضع مميز بوساطة أبيها.
لم تكن المعلومة صحيحة على الإطلاق، لكنها كانت نوعا من الدفاع عن النفس، خاصة عندما تعرف أن الإخوان أطلقوها فى أعقاب حملة الغضب التى تعقبت عمر بن محمد مرسى بعد الإعلان عن تعيينه داخل نفس الشركة فى وظيفة مميزة وبمرتب كبير، رغم أنه خريج نفس العام، ورغم أن المسابقة التى حصل بها على الوظيفة كانت داخلية لأبناء العاملين فيها، وعليه فلا يحق لابن مرسى التقدم إلى المسابقة من الأساس.. فقد أرادت الجماعة أن تساوى بين الرؤوس، فإذا كان الرئيس سعى لتعيين ابنه فى وظيفة مرموقة، مستغلا فى ذلك نفوذه ومنصبه، فإن وزير الدفاع سعى هو الآخر لنفس الأمر وفى نفس الشركة مستغلا نفوذه وسطوة منصبه.
لكن ولأن الأمر لم يكن سوى شائعة لا يوجد أى دليل عليها، فقد تلاشت وتبخرت فى الهواء، رغم أن الشركة التزمت الصمت، ولم تبادر إلى النفى كما فعلت مع ابن مرسى، وكأنه كان هناك من أراد للشائعة أن تنتشر، إلا أنه عندما خرج المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة لينفى الخبر، صدقه الجميع على الفور، ليس لأن التكذيب صدر فى بيان رسمى، ولكن لأن من يتابعون الفريق السيسى لم يجربوا عليه كذبا منذ البداية ولذلك صدقوه.
كانت هذه الشائعة مؤلمة جدا لوزير الدفاع، ليس لأنه يكره الشائعات ويقلق منها ويتوتر من أثرها، فتقريبا هو الرجل الذى حظى بأكبر عدد من الشائعات خلال العامين الماضيين، ولكن لأن الشائعة اقتربت من مساحة خاصة جدا، وهى مسألة علاقته بأبنائه.
لدى الفريق السيسى أربعة أولاد هم على الترتيب: مصطفى ويعمل ضابطا فى جهاز الرقابة الإدارية، والثانى محمود الرائد فى المخابرات الحربية، وحسن وهو مهندس بترول.. وأصغر الأبناء هى آية خريجة الأكاديمية البحرية.
من البداية قرر السيسى أن يربى أبناءه على طريقة أولاد البلد المحافظين على أسرهم، التعليم يحتل القيمة الأولى فى حياته وحياتهم، ومن بين ما يميز علاقة السيسى بأولاده أنه كان- ولا يزال- يخاف عليهم جدا، ويولى صحتهم اهتماما خاصا، لدرجة أنه- تقريبا- يخصص طبيبا للأسرة ليجرى على الجميع كشفا دوريا من أجل الاطمئنان على صحتهم العامة.
كان السيسى يعرف أن أولاده فى النهاية أبناء زمانهم، لكنه كان يتابع أولاده الذكور مخافة أن يدخن أحدهم سيجارة أو يقترب من أى نوع من أنواع المكيفات، فتواجهه مشكلة كبيرة، فهو رياضى ويريد أن يكون أولاده كذلك، ومن بين ما فعله أن لديه فى بيته صالة جيم يمارس الرياضة من خلالها، وهى الهواية التى يمارسها مبكرا جدا، امتدادا لعادته التى بدأها فى حى الجمالية، فقد اعتاد أن يؤدى صلاة الفجر فى جماعة، ثم بعد ذلك يخرج لممارسة رياضة الجرى لأكثر من ساعة بشكل يومى.
لم يفرض السيسى شيئا على أولاده، ورغم أنهم يتبعونه فى كثير مما يفعله فإنه لم يدفعهم لشىء، حتى فى شريكات حياتهم لم يتدخل إطلاقا، ترك كل واحد منهم يختار المرأة التى تكمل معه حياته، فتزوج الكبير مصطفى ابنة خالته السيدة رضا، وهو فى ذلك على طريقة والده الذى تزوج ابنة خالته أيضا ومحمود الأوسط تزوج السيدة نهى ابنة محمد التهامى الذى كان يعمل مديرا عاما بشركة بيبسى، وتم الزواج فى 12 يوليو 2007، وتم الزفاف فى القاعة الماسية بدار المشاة، أما حسن الصغير فقد تزوج السيدة داليا ابنة اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية الحالى، وتم الزفاف فى 15 يوليو 2010 بقاعة الأوركيد بدار الدفاع الجوى، وتستعد آية حاليا للزواج من خالد فودة ابن محافظ جنوب سيناء.
السيسى الآن- 59 سنة- أصبح جدا، فله من الأحفاد بنتان من ابنه مصطفى وولدان من ابنه محمود، وهو رغم مشاغله الكثيرة فإنه جد مصرى جدا، يهتم بأمور أحفاده، وكان قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع يخصص لهم يوما أسبوعيا لا يخلفه أبدا، وقبل زيارتهم كان يشترى لهم الحلوى ليقدمها لهم بنفسه، والآن وبعد أن انشغل كثيرا يحاول أن يخطف يوما كل فترة يخصصه لأحفاده، الذين أصبح يحتفى بهم كثيرا، يجلسهم إلى جواره، ولا يتردد عن إطعامهم بنفسه، وتقريبا هذه هى اللحظات الوحيدة التى ينسى فيها السيسى أنه الرجل المستهدف الأول فى مصر، وأن هناك من يطلبون رأسه بأى ثمن، ينسى أن الأقدار جعلت منه قائد ثورة وداعما لحقوق شعب، ينسى أن الملايين تعقد عليه آمالا عريضة فى أن يكمل ما بدأه... ليس لأنه الوحيد الذى يقدر على ذلك، ولكن لأنهم يطمئنون إليه أكثر من الآخرين، كل ما يتذكره أنه يجلس فى حضرة أحفاده، فيركز معهم ولهم كل اهتمامه.. فابتسامتهم فى وجهه تساوى عنده الدنيا وما فيها.
حرص السيسى على صحة أولاده ومنحهم الحرية الكاملة فى اختيار شكل حياتهم لا يقل أهمية عن حرصه على أن يكونوا ملتزمين دينيا، كان يشغله كثيرا وهم صغار حرصهم على الصلاة فى أوقاتها وجماعة فى المسجد، وقد يكون هذا التدين الوسطى الذى لا تطرف فيه، هو الذى خدع الإخوان المسلمين فاعتقدوا أنهم أمام رجل يشكل عجينة طرية يمكن أن يقوموا بتشكيلها كما يريدون.
كان من الطبيعى لهذا الالتزام الدينى والاجتماعى أن ينعكس على الدور الذى لعبه السيسى فى حياة أولاده العملية، فرغم أنهم يشغلون مراكز مهمة الآن فإنه فعليا لم يتدخل لأحد منهم كى يلحقه بوظيفة معينة، ولم يرفع سماعة التليفون من أجل التوسط لأحد من أبنائه.
وهنا أستشهد بما قاله الدكتور مصطفى الفقى عن موقف كان طرفا فيه، أما الطرف الثانى فكان حسن ابن الفريق السيسى، قال الفقى عبر برنامجه «سنوات الفرص الضائعة»: إن السيسى لم يتدخل من أجل إلحاق ابنه بوزارة الخارجية، وكان قد تقدم لاختباراتها ولم يحالفه التوفيق، وكان يمكن للرجل أن يتحدث أو يوصى أو يتدخل، لكنه لم يفعل ذلك، فقد ترك ابنه يخوض تجربته بنفسه، ولما لم يوفق لم يتدخل على الإطلاق.
لم يكن هذا هو الفصل المهم فى القصة، فبعد إذاعة الحلقة عاتب ابن الفريق السيسى الدكتور مصطفى الفقى عتابا رقيقا على ذكره لهذه القصة- حسن الآن يعمل لدى جهة سيادية- لكن ما جرى أن الفريق السيسى لم يغضب ولم يعاتب الدكتور مصطفى لأنه أدرك نية الرجل الذى كان يدلل على نبل السيسى وحياده، وعدم استغلال منصبه أو نفوذه، رغم أن آخرين كان يمكن أن يغضبوا ويعتبروا ما جرى تعريضا بابن الرجل الذى لم يستطع تجاوز اختبارات الخارجية.
غضب ابن السيسى جاء لأن والدهم يمنعهم من الإعلام ويمنع الإعلام عنهم، فهو لا يحب لهم أن يظهروا على الإطلاق، لأنهم لا يعبرون عن أنفسهم فقط، ولكن يعبرون عنه أيضا، وهو لا يحب أن يأتى أحدهم شيئا يمكن أن يحسب عليه، فعل ذلك مبكرا جدا، وأعتقد أنه سيواصل ذلك لأنه لم يعد مجرد وزير دفاع، ولكنه أصبح زعيما شعبيا الخطأ الذى يقع فيه عظيم ومن الصعب أن يغفره له الشعب، ولذلك فحرصه سيزيد وإبعاد أولاده عن الإعلام سيشتد.
لقد تأثر السيسى بوالده الحاج سعيد السيسى، وقد يكون التأثر الأكبر فى كيفية أن يكون عادلا، وهناك ملمح يمكن أن يكون عابرا فى حياة الوالد الذى كان لديه بازار فى خان الخليلى يتاجر من خلاله فى الصدف والأرابيسك.
لقد تزوج الرجل مرتين، الأولى والدة الفريق السيسى الحاجة سعاد، وأنجب منها كلا من أحمد وعبدالفتاح ورضا وفريدة وحسين وأسماء ومنى وزينب وجيهان ومحمد وبوسى «المفارقة أن معظم إخوة وأخوات الفريق السيسى من خريجى جامعة الأزهر بكلياتها المختلفة»، أما الثانية فكانت السيدة حسنية وأنجب منها إيمان وسحر وعبدالله وعلاء.. لتكتمل العائلة بخمسة عشر ابنا وابنة فى بيت الحاج سعيد السيسى.
لا أقصد بالعدالة تلك التى قام بها سعيد السيسى بين زوجتيه وبين أولاده منهما، ولكن فى الموقف الأخير فى حياته، لقد توفى الرجل تقريبا فى العام 2002، بعد معاناته الشديدة مع مرض فى معدته، وقبل أن يموت أوصى بأن يدفن فى غرفة خاصة فى مقبرته، بحيث تكون غرفته فاصلة بين رجال العائلة ونسائها.
يمكن أن تعتبر هذه الوصية عابرة لا تعنى شيئا، لكن يمكن أن تقرأ من خلالها أيضا أن الرجل الذى كان حكما بين أولاده وزوجتيه فى الدنيا، أراد أن يكون حكما وفاصلا بين رجال العائلة ونسائها حتى وهو فى قبره، وشىء من هذا فعله ويفعله السيسى الآن، فقد أراد أن يكون حكما وفاصلا بين الشعب المصرى والجماعة التى أرادت أن تخنقه وتسرقه وتصادره لصالحها فقط، وقد نجح فى هذا الدور الذى لن ينته- فيما أعتقد- إلا بتحول السيسى إلى طرف فى المعركة وليس مجرد حكم بى فصيلين.
من عدالة السيسى أنه وبعد أن أصبح وزيرا للدفاع لم يحاول أن يعصم القوات المسلحة من المساءلة، وهذا جانب أعتقد أن المستشار هشام جنينة يمكن أن يكشفه كاملا، فى أحد حواراته المنشورة قال جنينة نصا: الإدارة المختصة فى الجهاز المركزى للمحاسبات تقوم بمراقبة الموازنة العامة المخصصة من وزارة المالية لوزارة الدفاع، وعندما توليت رئاسة الجهاز وجدت أن هناك بعض دور ونوادى القوات المسلحة والأنشطة المهمة فيها غير خاضعة للجهاز، خاطبت الفريق السيسى الذى استجاب على الفور، وتم حل هذه الإشكالية، وتم وضعها تحت الرقابة لأن الجميع يهمه المصلحة العامة والحفاظ على المال العام، وذلك وفقا للقانون.
لقد تأخرنا قليلا فى التأكيد على المفتاح السادس الذى أقرأ من خلاله شخصية عبدالفتاح السيسى، وهو مفتاح ابن البلد الذى يمكن أن تقول عنه، إنه شهم وجدع وصاحب صاحبه، من بين ما يرويه عنه «فرانك فيليبس» أحد زملائه فى كلية الحرب العليا الأمريكية «2005 - 2006» أنه ذهب مع أحد زملائه لشراء خاتم الزواج، وعندما لم تكف أمواله أصر السيسى على تكملة الأموال الناقصة من جيبه من أجل شراء الخاتم، ولما أراد صديقه أن يرد له المال رفض تماما.
واقعيا لا يجامل السيسى أحدا حتى لو كان أقرب الناس إليه، لكنه فى نفس الوقت يقف بقوة إلى جوار من يحتاجونه أو يقفون على بابه.
لقد وقف البعض لبعض الوقت أمام الواقعة التى ذكرها الزميل محمد سعد خطاب فى «صوت الأمة» من أن عبدالفتاح السيسى رفض التدخل لإنقاذ ابن شقيقه محمد، الطالب الجديد فى الكلية الحربية، كان مع اثنين من زملائه فى الكلية، يتجولون فى ساعة متأخرة أيام الحظر، وعندما استوقفه كمين فى مدينة نصر، اعترض على توقيفه ورفض أن يخرج إثبات شخصيته، وصرخ فى ضابط الكمين قائلا له: انت مش عارف أنا مين؟
ولأن الضابط كانت لديه تعليمات واضحة ومحددة فقد اصطحب ابن شقيق السيسى إلى قسم شرطة مدينة نصر، ولما عرف السيسى رفض أن يتدخل، واكتفى بأن اتصل بشقيقه المستشار أحمد، وطلب منه أن يذهب إلى قسم الشرطة ليضمن ابنه ويخرجه على ضمانته الشخصية.
هناك من شكك فى الواقعة واعتبرها نوعا من التزيد، ومحاولة لرسم صورة أسطورية للرجل الذى ساند الثورة، لكن مبلغ علمى أنها واقعة حقيقية ولم يتم الإعلان عنها بشكل موسع، حتى لا يتم استغلالها إعلاميا من قبل البعض لا بالسلب ولا بإلإيجاب.
لم يتعرض عبدالفتاح السيسى كثيرا لأدب نجيب محفوظ، ومؤكد أنه لم يشاهد مجموعة الأفلام التى قدمتها السينما ترجمة لروايته البديعة الحرافيش، لكن واقعيا يمثل السيسى أحد فتوات حرافيش نجيب محفوظ، تحديدا الفتوة الذى يظهر فى الحارة بعد أن يكون تمكن منها فتوات البلطجية، يفرضون على أهلها الإتاوات ويهددونهم فى أرزاقهم.. فيخرج الفتوة من بين صفوف أهالى الحارة لينهى دولة الظلم، وساعتها يرفعه الأهالى فوق أكتافهم هاتفين له «اسم الله عليه.. اسم الله عليه».
قدر عبدالفتاح السيسى أنه خرج من الجمالية التى دارت فى شوارعها وحاراتها أحداث الحرافيش، وقدره أكثر أنه يشبه فتوة «التوت والنبوت» واحدة من قصص الملحمة التى قدمتها السينما فى فيلم بنفس الاسم لعب بطولته عزت العلايلى، الذى بعد أن خلص الحارة من فتوتها الظالم، وقف وسط الحرافيش ليقول لهم «أنا باحب العدل أكثر من حبى للحرافيش، وباكره الظلم أكثر من كرهى للأعيان- يمكن أن تستبدل الأعيان بكلمة الإخوان دون أن يختل المعنى على الإطلاق».
صحيح أن هناك من المعوقات التى تحول دون أن يكون السيسى هو فتوة التوت والنبوت، لكن قدره أن يكون كذلك.. من حقه أن يحنو على الشعب وأن يطبطب عليه ويقربه منه ويعتبر المصريين نور عينيه، لكن فى الوقت نفسه يجب ألا يشغله ذلك عن المعركة الكبرى وهى تطهير مصر من الإرهاب حتى يستطيع هذا الشعب أن يبدأ مسيرة البناء، ومن حقه أن يكره الظلم قدر كراهيته للإخوان، وهى الكراهية السياسية التى تقوم على رفض مشروع هؤلاء وعدم التهاون أو قبول التفاوض مع من يريد أن يجلسهم على مائدتنا مرة أخرى بشروطهم هم وليس بشروط شعب كامل خرج من أجل إخراجهم من الحياة السياسية بشكل كامل.
على أية حال يمكن أن تعتبر أن هذه إشارة فقط لمنبت جدعنة السيسى، لكن هذه الجدعنة لا تمنعه من أن يحصد فى شخصيته صفات أخرى من صفات أبناء البلد، فهو ابن نكتة رغم أن الأهوال التى مر بها- وكان كثير منها من صنع يديه- لم تمنحه الفرصة لأن يظهر هذه الخصلة كثيرا، رأيناه مرة واحدة عندما كن يداعب ضباطه فيما يخص المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة العقيد أحمد محمد على، عندما وصفه بأنه جاذب للستات.
اعتبر البعض أن هذا الوصف فيه تجاوز أخلاقى من السيسى، لكن بتأمل بسيط ستعرف أن الرجل من هؤلاء الذين لا يقاومون أنفسهم من إلقاء إفيه أو قفشة على كلمة تقال أمامهم، وهى خصلة مصرية خالصة، وهى فى الوقت نفسه ابنة النكتة المصرية التى يتذوقها السيسى جيدا، فهو فى النهاية ابن ثقافة تقوم على السخرية، وتقويض الخصم من خلال الاستهانة به.
هناك بالطبع من وقعوا فى فتنة السيسى، لا يرون غيره رئيسا لمصر، لا ينظرون إلى الظروف الموضوعية التى يمكن أن تشكل عائقا أمام هذا المشروع، وهؤلاء لا ينظرون إلى ما يريده الرجل بالفعل، وهل يريد ذلك أو يطمع فيه؟
من مصادر مقربة من عائلة الفريق السيسى أعرف أن أبناءه وزوجته وأقاربه لا يوافقون على ترشيحه للرئاسة، بل يبدون قلقا شديدا من الحياة الجديدة التى فرضت عليهم، فهم، ولأن كبير العائلة فى مرمى الهدف، وتسعى دول وجماعات وتنظيمات إلى اصطياده، فقد وضعهم ذلك تحت حراسة مشددة، بدأوا هم يضيقون بها لكنهم فى النهاية لا يستطيعون رفضها، لأنهم يدركون كم الخطر الذى يحيط بهم بالفعل، يؤكدون أن وضعهم قبل ثورة يونيو كان أفضل، كانوا يتحركون على راحتهم وفى الأوقات التى يريدونها، لكنهم الآن أقرب إلى السجناء وراء إجراءات الحراسة.
بنفس المنطق الذى يتعامل به أقارب السيسى ممن لا يريدونه أن يترشح للرئاسة خوفا عليه وعلى أنفسهم، يتعامل من يلحون عليه فى الترشح وإكمال جميله، فهم يعتبرونه أيضا ابنا لهم، ويجب ألا يتركهم فى نصف الطريق الذى بدأه هو، يطمعون فى جدعنته ووقفة ابن البلد الشهم التى وقفها فى ثورة يونيو، وهو ما يمكن أن يكون ضاغطا وبقوة على السيسى، فهو من ناحية يريد أن ينجو بنفسه من هلاك قادم، لكنه فى الوقت نفسه لا يمكن أن يتخلى عمن يطلبون وقفته.. وهذه هى تحديدا الورطة الكبرى التى يواجهها.
"اليوم السابع"
والده سعيد السيسى اختار أن يدفن فى غرفة وسط مقبرته ليفصل بين رجال العائلة ونسائها
من بين الشائعات الكثيرة التى لاحقت الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كانت واحدة اقتربت من ابنته الوحيدة آية التى تخرجت فى الأكاديمية البحرية مؤخرا، أطلقها جهاز الشائعات الإخوانى، تقول إنها جرى تعيينها فى الشركة القابضة للطائرات بمرتب مجزٍ ووضع مميز بوساطة أبيها.
لم تكن المعلومة صحيحة على الإطلاق، لكنها كانت نوعا من الدفاع عن النفس، خاصة عندما تعرف أن الإخوان أطلقوها فى أعقاب حملة الغضب التى تعقبت عمر بن محمد مرسى بعد الإعلان عن تعيينه داخل نفس الشركة فى وظيفة مميزة وبمرتب كبير، رغم أنه خريج نفس العام، ورغم أن المسابقة التى حصل بها على الوظيفة كانت داخلية لأبناء العاملين فيها، وعليه فلا يحق لابن مرسى التقدم إلى المسابقة من الأساس.. فقد أرادت الجماعة أن تساوى بين الرؤوس، فإذا كان الرئيس سعى لتعيين ابنه فى وظيفة مرموقة، مستغلا فى ذلك نفوذه ومنصبه، فإن وزير الدفاع سعى هو الآخر لنفس الأمر وفى نفس الشركة مستغلا نفوذه وسطوة منصبه.
لكن ولأن الأمر لم يكن سوى شائعة لا يوجد أى دليل عليها، فقد تلاشت وتبخرت فى الهواء، رغم أن الشركة التزمت الصمت، ولم تبادر إلى النفى كما فعلت مع ابن مرسى، وكأنه كان هناك من أراد للشائعة أن تنتشر، إلا أنه عندما خرج المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة لينفى الخبر، صدقه الجميع على الفور، ليس لأن التكذيب صدر فى بيان رسمى، ولكن لأن من يتابعون الفريق السيسى لم يجربوا عليه كذبا منذ البداية ولذلك صدقوه.
كانت هذه الشائعة مؤلمة جدا لوزير الدفاع، ليس لأنه يكره الشائعات ويقلق منها ويتوتر من أثرها، فتقريبا هو الرجل الذى حظى بأكبر عدد من الشائعات خلال العامين الماضيين، ولكن لأن الشائعة اقتربت من مساحة خاصة جدا، وهى مسألة علاقته بأبنائه.
لدى الفريق السيسى أربعة أولاد هم على الترتيب: مصطفى ويعمل ضابطا فى جهاز الرقابة الإدارية، والثانى محمود الرائد فى المخابرات الحربية، وحسن وهو مهندس بترول.. وأصغر الأبناء هى آية خريجة الأكاديمية البحرية.
من البداية قرر السيسى أن يربى أبناءه على طريقة أولاد البلد المحافظين على أسرهم، التعليم يحتل القيمة الأولى فى حياته وحياتهم، ومن بين ما يميز علاقة السيسى بأولاده أنه كان- ولا يزال- يخاف عليهم جدا، ويولى صحتهم اهتماما خاصا، لدرجة أنه- تقريبا- يخصص طبيبا للأسرة ليجرى على الجميع كشفا دوريا من أجل الاطمئنان على صحتهم العامة.
كان السيسى يعرف أن أولاده فى النهاية أبناء زمانهم، لكنه كان يتابع أولاده الذكور مخافة أن يدخن أحدهم سيجارة أو يقترب من أى نوع من أنواع المكيفات، فتواجهه مشكلة كبيرة، فهو رياضى ويريد أن يكون أولاده كذلك، ومن بين ما فعله أن لديه فى بيته صالة جيم يمارس الرياضة من خلالها، وهى الهواية التى يمارسها مبكرا جدا، امتدادا لعادته التى بدأها فى حى الجمالية، فقد اعتاد أن يؤدى صلاة الفجر فى جماعة، ثم بعد ذلك يخرج لممارسة رياضة الجرى لأكثر من ساعة بشكل يومى.
لم يفرض السيسى شيئا على أولاده، ورغم أنهم يتبعونه فى كثير مما يفعله فإنه لم يدفعهم لشىء، حتى فى شريكات حياتهم لم يتدخل إطلاقا، ترك كل واحد منهم يختار المرأة التى تكمل معه حياته، فتزوج الكبير مصطفى ابنة خالته السيدة رضا، وهو فى ذلك على طريقة والده الذى تزوج ابنة خالته أيضا ومحمود الأوسط تزوج السيدة نهى ابنة محمد التهامى الذى كان يعمل مديرا عاما بشركة بيبسى، وتم الزواج فى 12 يوليو 2007، وتم الزفاف فى القاعة الماسية بدار المشاة، أما حسن الصغير فقد تزوج السيدة داليا ابنة اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية الحالى، وتم الزفاف فى 15 يوليو 2010 بقاعة الأوركيد بدار الدفاع الجوى، وتستعد آية حاليا للزواج من خالد فودة ابن محافظ جنوب سيناء.
السيسى الآن- 59 سنة- أصبح جدا، فله من الأحفاد بنتان من ابنه مصطفى وولدان من ابنه محمود، وهو رغم مشاغله الكثيرة فإنه جد مصرى جدا، يهتم بأمور أحفاده، وكان قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع يخصص لهم يوما أسبوعيا لا يخلفه أبدا، وقبل زيارتهم كان يشترى لهم الحلوى ليقدمها لهم بنفسه، والآن وبعد أن انشغل كثيرا يحاول أن يخطف يوما كل فترة يخصصه لأحفاده، الذين أصبح يحتفى بهم كثيرا، يجلسهم إلى جواره، ولا يتردد عن إطعامهم بنفسه، وتقريبا هذه هى اللحظات الوحيدة التى ينسى فيها السيسى أنه الرجل المستهدف الأول فى مصر، وأن هناك من يطلبون رأسه بأى ثمن، ينسى أن الأقدار جعلت منه قائد ثورة وداعما لحقوق شعب، ينسى أن الملايين تعقد عليه آمالا عريضة فى أن يكمل ما بدأه... ليس لأنه الوحيد الذى يقدر على ذلك، ولكن لأنهم يطمئنون إليه أكثر من الآخرين، كل ما يتذكره أنه يجلس فى حضرة أحفاده، فيركز معهم ولهم كل اهتمامه.. فابتسامتهم فى وجهه تساوى عنده الدنيا وما فيها.
حرص السيسى على صحة أولاده ومنحهم الحرية الكاملة فى اختيار شكل حياتهم لا يقل أهمية عن حرصه على أن يكونوا ملتزمين دينيا، كان يشغله كثيرا وهم صغار حرصهم على الصلاة فى أوقاتها وجماعة فى المسجد، وقد يكون هذا التدين الوسطى الذى لا تطرف فيه، هو الذى خدع الإخوان المسلمين فاعتقدوا أنهم أمام رجل يشكل عجينة طرية يمكن أن يقوموا بتشكيلها كما يريدون.
كان من الطبيعى لهذا الالتزام الدينى والاجتماعى أن ينعكس على الدور الذى لعبه السيسى فى حياة أولاده العملية، فرغم أنهم يشغلون مراكز مهمة الآن فإنه فعليا لم يتدخل لأحد منهم كى يلحقه بوظيفة معينة، ولم يرفع سماعة التليفون من أجل التوسط لأحد من أبنائه.
وهنا أستشهد بما قاله الدكتور مصطفى الفقى عن موقف كان طرفا فيه، أما الطرف الثانى فكان حسن ابن الفريق السيسى، قال الفقى عبر برنامجه «سنوات الفرص الضائعة»: إن السيسى لم يتدخل من أجل إلحاق ابنه بوزارة الخارجية، وكان قد تقدم لاختباراتها ولم يحالفه التوفيق، وكان يمكن للرجل أن يتحدث أو يوصى أو يتدخل، لكنه لم يفعل ذلك، فقد ترك ابنه يخوض تجربته بنفسه، ولما لم يوفق لم يتدخل على الإطلاق.
لم يكن هذا هو الفصل المهم فى القصة، فبعد إذاعة الحلقة عاتب ابن الفريق السيسى الدكتور مصطفى الفقى عتابا رقيقا على ذكره لهذه القصة- حسن الآن يعمل لدى جهة سيادية- لكن ما جرى أن الفريق السيسى لم يغضب ولم يعاتب الدكتور مصطفى لأنه أدرك نية الرجل الذى كان يدلل على نبل السيسى وحياده، وعدم استغلال منصبه أو نفوذه، رغم أن آخرين كان يمكن أن يغضبوا ويعتبروا ما جرى تعريضا بابن الرجل الذى لم يستطع تجاوز اختبارات الخارجية.
غضب ابن السيسى جاء لأن والدهم يمنعهم من الإعلام ويمنع الإعلام عنهم، فهو لا يحب لهم أن يظهروا على الإطلاق، لأنهم لا يعبرون عن أنفسهم فقط، ولكن يعبرون عنه أيضا، وهو لا يحب أن يأتى أحدهم شيئا يمكن أن يحسب عليه، فعل ذلك مبكرا جدا، وأعتقد أنه سيواصل ذلك لأنه لم يعد مجرد وزير دفاع، ولكنه أصبح زعيما شعبيا الخطأ الذى يقع فيه عظيم ومن الصعب أن يغفره له الشعب، ولذلك فحرصه سيزيد وإبعاد أولاده عن الإعلام سيشتد.
لقد تأثر السيسى بوالده الحاج سعيد السيسى، وقد يكون التأثر الأكبر فى كيفية أن يكون عادلا، وهناك ملمح يمكن أن يكون عابرا فى حياة الوالد الذى كان لديه بازار فى خان الخليلى يتاجر من خلاله فى الصدف والأرابيسك.
لقد تزوج الرجل مرتين، الأولى والدة الفريق السيسى الحاجة سعاد، وأنجب منها كلا من أحمد وعبدالفتاح ورضا وفريدة وحسين وأسماء ومنى وزينب وجيهان ومحمد وبوسى «المفارقة أن معظم إخوة وأخوات الفريق السيسى من خريجى جامعة الأزهر بكلياتها المختلفة»، أما الثانية فكانت السيدة حسنية وأنجب منها إيمان وسحر وعبدالله وعلاء.. لتكتمل العائلة بخمسة عشر ابنا وابنة فى بيت الحاج سعيد السيسى.
لا أقصد بالعدالة تلك التى قام بها سعيد السيسى بين زوجتيه وبين أولاده منهما، ولكن فى الموقف الأخير فى حياته، لقد توفى الرجل تقريبا فى العام 2002، بعد معاناته الشديدة مع مرض فى معدته، وقبل أن يموت أوصى بأن يدفن فى غرفة خاصة فى مقبرته، بحيث تكون غرفته فاصلة بين رجال العائلة ونسائها.
يمكن أن تعتبر هذه الوصية عابرة لا تعنى شيئا، لكن يمكن أن تقرأ من خلالها أيضا أن الرجل الذى كان حكما بين أولاده وزوجتيه فى الدنيا، أراد أن يكون حكما وفاصلا بين رجال العائلة ونسائها حتى وهو فى قبره، وشىء من هذا فعله ويفعله السيسى الآن، فقد أراد أن يكون حكما وفاصلا بين الشعب المصرى والجماعة التى أرادت أن تخنقه وتسرقه وتصادره لصالحها فقط، وقد نجح فى هذا الدور الذى لن ينته- فيما أعتقد- إلا بتحول السيسى إلى طرف فى المعركة وليس مجرد حكم بى فصيلين.
من عدالة السيسى أنه وبعد أن أصبح وزيرا للدفاع لم يحاول أن يعصم القوات المسلحة من المساءلة، وهذا جانب أعتقد أن المستشار هشام جنينة يمكن أن يكشفه كاملا، فى أحد حواراته المنشورة قال جنينة نصا: الإدارة المختصة فى الجهاز المركزى للمحاسبات تقوم بمراقبة الموازنة العامة المخصصة من وزارة المالية لوزارة الدفاع، وعندما توليت رئاسة الجهاز وجدت أن هناك بعض دور ونوادى القوات المسلحة والأنشطة المهمة فيها غير خاضعة للجهاز، خاطبت الفريق السيسى الذى استجاب على الفور، وتم حل هذه الإشكالية، وتم وضعها تحت الرقابة لأن الجميع يهمه المصلحة العامة والحفاظ على المال العام، وذلك وفقا للقانون.
لقد تأخرنا قليلا فى التأكيد على المفتاح السادس الذى أقرأ من خلاله شخصية عبدالفتاح السيسى، وهو مفتاح ابن البلد الذى يمكن أن تقول عنه، إنه شهم وجدع وصاحب صاحبه، من بين ما يرويه عنه «فرانك فيليبس» أحد زملائه فى كلية الحرب العليا الأمريكية «2005 - 2006» أنه ذهب مع أحد زملائه لشراء خاتم الزواج، وعندما لم تكف أمواله أصر السيسى على تكملة الأموال الناقصة من جيبه من أجل شراء الخاتم، ولما أراد صديقه أن يرد له المال رفض تماما.
واقعيا لا يجامل السيسى أحدا حتى لو كان أقرب الناس إليه، لكنه فى نفس الوقت يقف بقوة إلى جوار من يحتاجونه أو يقفون على بابه.
لقد وقف البعض لبعض الوقت أمام الواقعة التى ذكرها الزميل محمد سعد خطاب فى «صوت الأمة» من أن عبدالفتاح السيسى رفض التدخل لإنقاذ ابن شقيقه محمد، الطالب الجديد فى الكلية الحربية، كان مع اثنين من زملائه فى الكلية، يتجولون فى ساعة متأخرة أيام الحظر، وعندما استوقفه كمين فى مدينة نصر، اعترض على توقيفه ورفض أن يخرج إثبات شخصيته، وصرخ فى ضابط الكمين قائلا له: انت مش عارف أنا مين؟
ولأن الضابط كانت لديه تعليمات واضحة ومحددة فقد اصطحب ابن شقيق السيسى إلى قسم شرطة مدينة نصر، ولما عرف السيسى رفض أن يتدخل، واكتفى بأن اتصل بشقيقه المستشار أحمد، وطلب منه أن يذهب إلى قسم الشرطة ليضمن ابنه ويخرجه على ضمانته الشخصية.
هناك من شكك فى الواقعة واعتبرها نوعا من التزيد، ومحاولة لرسم صورة أسطورية للرجل الذى ساند الثورة، لكن مبلغ علمى أنها واقعة حقيقية ولم يتم الإعلان عنها بشكل موسع، حتى لا يتم استغلالها إعلاميا من قبل البعض لا بالسلب ولا بإلإيجاب.
لم يتعرض عبدالفتاح السيسى كثيرا لأدب نجيب محفوظ، ومؤكد أنه لم يشاهد مجموعة الأفلام التى قدمتها السينما ترجمة لروايته البديعة الحرافيش، لكن واقعيا يمثل السيسى أحد فتوات حرافيش نجيب محفوظ، تحديدا الفتوة الذى يظهر فى الحارة بعد أن يكون تمكن منها فتوات البلطجية، يفرضون على أهلها الإتاوات ويهددونهم فى أرزاقهم.. فيخرج الفتوة من بين صفوف أهالى الحارة لينهى دولة الظلم، وساعتها يرفعه الأهالى فوق أكتافهم هاتفين له «اسم الله عليه.. اسم الله عليه».
قدر عبدالفتاح السيسى أنه خرج من الجمالية التى دارت فى شوارعها وحاراتها أحداث الحرافيش، وقدره أكثر أنه يشبه فتوة «التوت والنبوت» واحدة من قصص الملحمة التى قدمتها السينما فى فيلم بنفس الاسم لعب بطولته عزت العلايلى، الذى بعد أن خلص الحارة من فتوتها الظالم، وقف وسط الحرافيش ليقول لهم «أنا باحب العدل أكثر من حبى للحرافيش، وباكره الظلم أكثر من كرهى للأعيان- يمكن أن تستبدل الأعيان بكلمة الإخوان دون أن يختل المعنى على الإطلاق».
صحيح أن هناك من المعوقات التى تحول دون أن يكون السيسى هو فتوة التوت والنبوت، لكن قدره أن يكون كذلك.. من حقه أن يحنو على الشعب وأن يطبطب عليه ويقربه منه ويعتبر المصريين نور عينيه، لكن فى الوقت نفسه يجب ألا يشغله ذلك عن المعركة الكبرى وهى تطهير مصر من الإرهاب حتى يستطيع هذا الشعب أن يبدأ مسيرة البناء، ومن حقه أن يكره الظلم قدر كراهيته للإخوان، وهى الكراهية السياسية التى تقوم على رفض مشروع هؤلاء وعدم التهاون أو قبول التفاوض مع من يريد أن يجلسهم على مائدتنا مرة أخرى بشروطهم هم وليس بشروط شعب كامل خرج من أجل إخراجهم من الحياة السياسية بشكل كامل.
على أية حال يمكن أن تعتبر أن هذه إشارة فقط لمنبت جدعنة السيسى، لكن هذه الجدعنة لا تمنعه من أن يحصد فى شخصيته صفات أخرى من صفات أبناء البلد، فهو ابن نكتة رغم أن الأهوال التى مر بها- وكان كثير منها من صنع يديه- لم تمنحه الفرصة لأن يظهر هذه الخصلة كثيرا، رأيناه مرة واحدة عندما كن يداعب ضباطه فيما يخص المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة العقيد أحمد محمد على، عندما وصفه بأنه جاذب للستات.
اعتبر البعض أن هذا الوصف فيه تجاوز أخلاقى من السيسى، لكن بتأمل بسيط ستعرف أن الرجل من هؤلاء الذين لا يقاومون أنفسهم من إلقاء إفيه أو قفشة على كلمة تقال أمامهم، وهى خصلة مصرية خالصة، وهى فى الوقت نفسه ابنة النكتة المصرية التى يتذوقها السيسى جيدا، فهو فى النهاية ابن ثقافة تقوم على السخرية، وتقويض الخصم من خلال الاستهانة به.
هناك بالطبع من وقعوا فى فتنة السيسى، لا يرون غيره رئيسا لمصر، لا ينظرون إلى الظروف الموضوعية التى يمكن أن تشكل عائقا أمام هذا المشروع، وهؤلاء لا ينظرون إلى ما يريده الرجل بالفعل، وهل يريد ذلك أو يطمع فيه؟
من مصادر مقربة من عائلة الفريق السيسى أعرف أن أبناءه وزوجته وأقاربه لا يوافقون على ترشيحه للرئاسة، بل يبدون قلقا شديدا من الحياة الجديدة التى فرضت عليهم، فهم، ولأن كبير العائلة فى مرمى الهدف، وتسعى دول وجماعات وتنظيمات إلى اصطياده، فقد وضعهم ذلك تحت حراسة مشددة، بدأوا هم يضيقون بها لكنهم فى النهاية لا يستطيعون رفضها، لأنهم يدركون كم الخطر الذى يحيط بهم بالفعل، يؤكدون أن وضعهم قبل ثورة يونيو كان أفضل، كانوا يتحركون على راحتهم وفى الأوقات التى يريدونها، لكنهم الآن أقرب إلى السجناء وراء إجراءات الحراسة.
بنفس المنطق الذى يتعامل به أقارب السيسى ممن لا يريدونه أن يترشح للرئاسة خوفا عليه وعلى أنفسهم، يتعامل من يلحون عليه فى الترشح وإكمال جميله، فهم يعتبرونه أيضا ابنا لهم، ويجب ألا يتركهم فى نصف الطريق الذى بدأه هو، يطمعون فى جدعنته ووقفة ابن البلد الشهم التى وقفها فى ثورة يونيو، وهو ما يمكن أن يكون ضاغطا وبقوة على السيسى، فهو من ناحية يريد أن ينجو بنفسه من هلاك قادم، لكنه فى الوقت نفسه لا يمكن أن يتخلى عمن يطلبون وقفته.. وهذه هى تحديدا الورطة الكبرى التى يواجهها.
"اليوم السابع"